حكم التصوير في الاسلام
تحقيق الشيخ صالح الفوزان
و بما ذكرنا من الأحاديث و كلام أهل العلم عليها تبطل دعوى المؤلف أنه ليس هناك نص صحيح سليم من المعارضة يدل على حرمة الصور المنقوشة في الثياب و البسط و الجدران و المرسومة في اللوحات . و كذا تبطل دعواه إباحة التصوير الفوتوغرافي - إذ التصوير الفوتوغرافي أبلغ في المضاهاة من الصور المنقوشة و المرسومة فهي أولى بالتحريم.
حكم التصوير في الاسلام
تحقيق الشيخ صالح الفوزانtxt
من تعليقاته علي كتاب الحلال و الحرام للشيخ يوسف القرضاوي
ثم بحث المؤلف موضوع التصوير من صفحة (٧٣) الي (٨٣) و وقع منه في هذا الموضوع أخطاء كثيرة لا بد من كشفها و بيانها و هي كما يلي:
االخطأ الأول: تقسيمه التصوير الي محرم و هو التماثيل و مكروه كراهة تنزيه و هو المنقوش و الرسوم في الورق و اللوحات و الجدران . و مباح و هو التصوير الفوتوغرافي ، فهذا تقسيم باطل ترده الأدلة الصحيحة الواردة في تحريم التصوير و تحريم استعمال الصور مطلقا تماثيل كانت أو غير تماثيل منقوشة أو فوتوغرافية . و من ادعي التفصيل كالمؤلف فعليه الدليل و نحن ننقل لكم جملة من أقوال الأئمة في ذالك:
قال العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين (٤/ ٤٠٣) لما ذكر الكبائر قال : و منها صورة الحيوان سواء كان له ظل ام لم يكن
قال المنوي في شرح صحيح مسلم (٨١/١٤) بعد أن ذكر تحريم الصور ما نصه : ( و لا فرق في هذا كله بين ما له ظل و ما لا ظل له) . هذا تلخيص مذهبنا في المسألة و بمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة و التابعين و هو مذهب الثوري و مالك و أبي حنيفة و غيرهم. و قال بعض السلف : إنما ينهي عما كان له ظل و لا بأس بالصور التي ليس لها ظل و هو مذهب باطل فإن الستر الذي أنكر النبي صلي الله عليه و سلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم و ليس لصورته ظل مع ما في الأحاديث المطلقة في كل صورة. و قال الحافظ ابن الحجر في فتح الباري (٣٨٤/١٠) بعد ذكر كلام النووي هذا - قلت و يؤيد التعميم فيما ظل له و ما لا ظل له ما أخرجه أحمد من حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه و سلم قال : أيكم ينطلق الي المدينة فلا يدع بها وثنا الا كسره و لا صورة إلا لطخها : اي طمسها - الحديث . و فيه : من عاد إلي صنعة شيئ من هذا فقد كفر بما أنزل علي محمد صلى الله عليه و وسلم . وقال الحافظ أيضا في فتح الباري (٣٩٠/١٠) في أثناء كلامه على حديث عائشة <<أن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة>> قال:ويستفاد منه أنها فرق في تحريم الصور أن تكون الصور لها ظل أو لا . ولا بين أن تكون مدهونة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة . وقال الشوكاني في نيل الأوطار (١٠٨/٢) في أثناء كلامه على حديث ابن عمر: <<الذين يصنعون الصور يعذبون يوم القيامة ))وحديث ابن عباس : << كل مصور في النار >> قال الحديثين يدلان
على أن التصوير من أشد المحرمات للتوعد للتوعد عليه بالتعذيبب بالنار و بأن كل مصور في النار و ذالك لا يكون الا علي محرم متبالغ في القبح - الى أن قال: و ظاهر قوله ( كل مصور) و قوله : ( بكل صور صورها) أنه لا فرق بين المطبوع في الثياب و بين ما له جرم مستقل و يؤيد ذالك ما في حديث عائشة المتقدم من التعميم . ثم ذكر الأحاديث بمعناه ثم قال : فهذه الأحاديث قاضية بعدم الفرق بين المطبوع من الصور و المستقل لإن اسم الصورة صادق علي الكل - إذ هي كما في كتب اللغة - الشكل- و هو يقال لما كان منها مطبوعاً علي الثياب شكلاً- ١هـ
قال الشيخ مصطفى الحمامي في كتاب النهضة الإصلاحية( ٢٦٤-٢٦٥) ما نصه: ينفي عنه حرج التصوير - إلى أن قال : و لو شئت لقلت إن عذاب المصور بتلك الآلة سيكون أضعاف أضعاف ما يصور المصور بيده . هـ
بل الذي تصوره آلة التصوير في لحظة يمكث المصور بيده سنين في تصويره و العذاب على قدر الإنتاج في التصوير . و ذلك أنك تفهم أن تصوير صورة واحدة معصية كبري واحدة فإذا إنضم إليها تصوير صورة ثانية معصية ثانية و هكذا كلما كثرت الصور المصورة كلما كثرت آثام المصور و انت تعلم أن العذاب يكون على قدر الآثام فكلما كثرت كلما إشتد العذاب و طال و أنت تعرف أن المصورين بالآلة المصورة ينقلون عشرات الآلاف من الصور في مرة واحدة من توجيههم تلك الآلة كالذين يتعرضون لأخذ صور المجامع العظيمة كمجامع الأعياد و مجامع المشيعين لجنازات الوجهاء من الناس خصوصاً إذا كانوا ممتازين فهؤلاء و أمثالهم من المصورين لا يعلم إلا ربنا ما يستحقونه من عذاب لكثرة ما يصورونه من صور- هـ
و هو كما ترى من وضوحه في الرد على المؤلف و أمثاله ممن يبيح التصوير الفوتوغرافي. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودي في رسالة له : و من أعظم المنكرات تصوير ذات الأرواح و إتخاذها و إستعمالها و لا فرق بين المجسدة و ما في الأوراق مما أخذ بالآلة -هـ
كما أن المستفاد من مجموع الأحاديث شدة وعيد المصورين بالنار و باللعن و أنهم من أظلم الظالمين و أن التصوير حرام بجميع أنواعه و على أي وجه كان للإتيان بصيغ العموم مثل قوله عليه الصلاة و السلام ( كل مصور في النار) و قوله : ( من صور صورة في الدنيا كلّف أن ينفخ فيها الروح) و قوله : ( إن الذين يصنعون هذه الصوريعذبون يوم القيامة ) فأتى بلفظ (كل) و ( من) و (الذين) و كلها من صيغ العموم فأين يذهب من أباح شيئا من أنواع التصوير و قسمه الى محرم و مكروه و مباح . و الله المستعان. هـ
الخطأ الثاني: استدلال المؤلف على عدم تحريم ما عدا التماثيل من الصور بالإستثناء الوارد في حديث زيد بن خالد و حديث أبي طلحة من قوله ( إلا رقماً في ثوب ) و قد أجاب النووي رمحه الله عن هذا الإستدلال في شرحه على صحيح مسلم ( ٨٥/١٤) حيث قال : هذا يحتج به من يقول بإباحة ما كان رقماً مطلقاً و جوابنا و جواب الجمهور عنه أنه محمول على رقم على صورة الشجر و غيره مما ليس بحيوان و قد قدمنا أن هذا جائز عندنا -هـ
و قال الحافظ ابن حجر : و يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي كما يدل له حديث أبي هُريرة الذي أخرجه أصحاب السنن-ه
و قال الشيخ عبد العزيز بن باز في الجواب المفيد في حكم التصوير : و أما قوله في حديث ابن طلحة و سهل بن حنيف : ( إلا رقماً في ثوب ) فهو إستثناء من الصور المانعة من دخول الملائكة لا من التصوير و ذلك واضح من سياق الحديث و المراد بذلك إذا كان الرقم في ثوب و نحوه يبسط و يمتهن و مثله الوسادة و حديث أبي هُريرة و قول جِبْرِيل للنبي صلى الله عليه و سلم ( فمر برأسالتمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة و مر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطئان) ففعل ذالك النبي صلى الله عليه و سلم و لا يجوز حمل الإستثناء على الصورة في الثوب المعلق أو المنصوب على باب أو جدار و نحو ذلك لأن أحاديث عائشة صريحة في منع مثل هذا الستر و وجوب إزالته أو هتكه كما تقدم ذكرها بألفاظها و حديث أبي هُريرة صريح أن مثل هذا الستر مانع من دخول الملائكة حتى يبسط و يقطع رأس التمثال الذي فيه فيكون كهيئة الشجرة و أحاديثه عليه الصلاة و السلام لا تتناقض بل يصدق بعضها بعضاً و مهما أمكن الجمع بينها بوجه مناسب ليس فيه تعسف وجب و قدم على مسلكي الترجيح و النسج كما هو مقرر في علم الأصول و مصطلح الحديث و قد أمكن الجمع بينها هنا بما ذكرنا فلله الحمد - هـ
الخطأ الثالث : قول المؤلف عن الصور الفوتوغرافية أنها لا تتحقق فيها علة المضاهاة التي نصت عليها بعض الأحاديث - و هذا لا شك قول باطل و مغالطة واضحة فإن المضاهاة في هذه الصور الفوتوغرافية حاصلة اكثر من حصولها في غيرها من الصور غير الفوتوغرافية ، و هي تؤخذ غالباً لتطبيقها على الشخص المصور لئلا يحصل اشتباه بينه و بين غيره لان شبهه و شكله منعكس فيها و هذا هو معنى المضاهاة - و الصورة في اللغة هي الشكل - كما تقدم في كلام الشوكاني - فصارت المضاهاة حاصلة فيها لا محالة. هـ
و نحن نسأل المؤلف ما الذي يخرج الصور الفوتوغرافية من عموم النصوص المانعة من الصور ما دام أنها تسمى صوراً لا محالة و يسمى الذي يعملها مصوراً؟
االخطأ الرابع: استدلال المؤلف على عدم تحريم ما عدا التماثيل بحديث عائشة قالت: " كان لنا ستر فيها تمثال طائر و كان الداخل إذا دخل استقبله". هـ
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم( حولي هذا فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا) قال المؤلف : فلم يأمرها بقطعه و إنما أمرها بتحويله من مكانه في مواجهة الداخل إلى البيت- إلى أن قال و بهذا يتبين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقر في بيته وجود الستر فيه تمثال و وجود قرام فيه تصاوير . هـ
و يُجاب عن هذا الاستدلال بما قاله النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (٨٧/١٤) من أنه محمول على أنه كان قبل تحريم اتخاذ ما فيه صورة فلهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل و يراه و لا ينكره قبل هذه المرة الأخيرة. هـ
و يؤيد ما ذكره الإمام النووي أن مسلماً أورد في صدر الباب حديث عائشة الذي فيه تحريم الصورة مطلقاً و ساق ما بعده لبشر إلى أن العمل على الإول و هذه طريقة مسلم في صحيحه أنه يقدم في الباب ما عليه العمل و يذكر علة أو لحقه الترك. هـ
الخطأ الخامس : في هذا الموضوع زعم المؤلف أن تشديد الرسول صلى الله عليه و سلم في شأن الصور كان في أول الأمر لقرب عهدهم بالشرك فلما استقرت عقيدة التوحيد رخص في الصور التي لا جسم لها . هـ
و نحن نطالب فضيلة الشيخ المؤلف أن يأتي بدليل على هذا الزعم الذي زعمه . و من أين له الدليل و الأدلة متضافرة على رده و إبطاله حيث تدل على تحريم التصوير و تحريم الصور مطلقاً في جميع الأوقات و في جميع أنواع التصوير . قال ابن دقيق العيد في شرح العمدة (٢٥٦/٣) بحاشية الصنعاني مجيباً عن هذا الزعم : ( و لقد أبعد غاية البعد من قال إن ذلك محمول على الكراهة و أن التشديد كان في ذلك الزمان لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان ، و هذا الزمان حيث انتشر الإسلام و تمهدان قواعده فلا يساويه في هذا التشديد هذا أو ما معناه و هذا القول عندنا باطل قطعاً لأنه قد ورد في الأحاديث و الإخبار عن أمر الآخرة بعذاب المصورين و أنهم يقال لهم : ( أحيوا ما خلقتم) و هذه علة مختلفة لما قاله هذا القائل و قد صرح بذالك في قوله عليه الصلاة و السلام : ( المشبهون بخلق الله ) و هذه النصوص المتظاهرة المتضافرة بمعنى خيالي يمكن أن يكون هو المراد مع اقتضاء اللفظ التعليل بغيره و هو التشبه بخلق الله . هـ
قال المحشي الأمير الصنعاني : " أقول لقد صدق و هل بعد اللعن و الإخبار بانه أشد الناس عذاباً من مستروح لهذا القائل و قد أصاب الشارح بقوله " أنه قول باطل" هـ
و قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام احمد (١٤٩-١٥٠/ ١٢) مجيباً عن ذلك أيضاً : و في عصرنا هذا كنّا نسمع عن أناس كبار ينسبون إلى العلم ممن لم ندرك أن نسمع منهم أنهم يذهبون إلى جواز التصوير كله بما فيه التماثيل الملعونة - إلى أن قال : و كان من حجة أولائك أن تأولوا النصوص بربطها بعلة لم يذكرها الشارع و لم يجعلها مناط التحريم هي - فيما بلغنا- أن التحريم إنما كان اول الأمر لقرب عهد الناس بالوثنية أما الآن و قد مضى على ذلك دهر طويل . فقد ذهبت علة التحريم و لا يخشى على الناس أن يعودوا لعبادة الأوثان. و نسي هؤلاء ما هو بين أيديهم من مظاهر الوثنية الحقبة بالتقرب إلى القبور و اللجوء إليها عند الكروب و الشدائد و أن الوثنية عادت إلى التغلغل في القلوب دون أن يشعر أصحابها. بل نسوا نصوص الأحاديث الصريحة في التحريم و علة التحريم و كنّا نعجب لهم من هذا التفكير العقيم و الإجتهاد الملتوي و كنّا نظنهم أنهم اخترعوا معني لم يسبقوا إليه و إن كان باطلاً ظاهر البطلان حتى كشفنا بعد ذلك أنهم كانوا في باطلهم مقلدين و في إجتهادهم و استنباطهم سارقين فرأينا الإمام الحافظ الحجة ابن دقيق العيد المتوفى سنة ٧٠٢ه يحكي مثل قولهم و يرده أبلغ رد و بأقوى حجة - ثم ساق كلام ابن دقيق الذي نقلناه قريباً .هـ
ثم قال : هذا ما قاله ابن دقيق العيد منذ أكثر من ٦٧٠ سنة يرد على قوم تلاعبوا بهذه النصوص في عصره ثم يأتي هؤلاء المفتون المضللون و أتباعهم المقلدون الجاهلون يعيدونها جذبة و يلعبون بنصوص الأحاديث كما لعب أولائك من قبل .هـ
فتبين مما تقدم أن التصوير بجميع أنواعه تماثيل أو غير تماثيل منقوشاً باليد أو فوتوغرافياً مأخوذاً بالآلة كله حرام و أن كل من حاول إباحة شيئ منه فمحاولته باطلة و حجته داحضة - و الله المستعان .هـ