Wednesday, May 6, 2015

الجمعية الخيرية التعليمية الاسلامية ببرسا مهوتري نيبال

حكم التصوير في الاسلام 
تحقيق الشيخ صالح الفوزان


حكم التصوير في الاسلام 
تحقيق الشيخ صالح الفوزانtxt 
من تعليقاته علي كتاب الحلال و الحرام للشيخ يوسف القرضاوي

ثم بحث المؤلف موضوع التصوير من صفحة (٧٣) الي (٨٣) و وقع منه في هذا الموضوع أخطاء كثيرة لا بد من كشفها و بيانها و هي كما يلي:
االخطأ الأول: تقسيمه التصوير الي محرم و هو التماثيل و مكروه كراهة تنزيه و هو المنقوش و الرسوم في الورق و اللوحات و الجدران . و مباح و هو التصوير الفوتوغرافي ، فهذا تقسيم باطل ترده الأدلة الصحيحة الواردة في تحريم التصوير و تحريم استعمال الصور مطلقا تماثيل كانت أو غير تماثيل منقوشة أو فوتوغرافية . و من ادعي التفصيل كالمؤلف فعليه الدليل و نحن ننقل لكم جملة من أقوال الأئمة في ذالك:
قال العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين (٤/ ٤٠٣) لما ذكر الكبائر قال : و منها صورة الحيوان سواء كان له ظل ام لم يكن 
قال المنوي في شرح صحيح مسلم (٨١/١٤)  بعد أن ذكر تحريم الصور ما نصه : ( و لا فرق في هذا كله بين ما له ظل و ما لا ظل له) . هذا تلخيص مذهبنا في المسألة و بمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة و التابعين و هو مذهب الثوري و مالك و أبي حنيفة و غيرهم. و قال بعض السلف : إنما ينهي عما كان له ظل و لا بأس بالصور التي ليس لها ظل  و هو مذهب باطل فإن الستر الذي أنكر النبي صلي الله عليه و سلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم و ليس لصورته ظل مع ما في الأحاديث المطلقة في كل صورة.   و قال الحافظ ابن الحجر في فتح الباري (٣٨٤/١٠)  بعد ذكر كلام النووي هذا - قلت و يؤيد التعميم فيما  ظل له و ما لا ظل له ما أخرجه أحمد من حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه و سلم قال : أيكم ينطلق الي المدينة فلا يدع بها وثنا الا كسره و لا صورة إلا لطخها : اي طمسها - الحديث . و فيه : من عاد إلي صنعة شيئ من هذا فقد كفر بما أنزل علي محمد صلى الله عليه و وسلم . وقال الحافظ أيضا في فتح الباري (٣٩٠/١٠) في أثناء كلامه على حديث عائشة <<أن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة>> قال:ويستفاد منه أنها فرق في تحريم الصور أن تكون الصور لها ظل أو لا . ولا بين أن تكون مدهونة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة . وقال الشوكاني في نيل الأوطار (١٠٨/٢) في أثناء كلامه على حديث ابن عمر: <<الذين يصنعون الصور يعذبون يوم القيامة ))وحديث ابن عباس : << كل مصور في النار >> قال الحديثين يدلان   
على أن التصوير من أشد المحرمات للتوعد للتوعد عليه بالتعذيبب بالنار و بأن كل مصور في النار و ذالك لا يكون الا علي محرم متبالغ في القبح -  الى أن قال: و ظاهر قوله ( كل مصور) و قوله : ( بكل صور صورها) أنه لا فرق بين المطبوع في الثياب و بين ما له جرم مستقل و يؤيد ذالك ما في حديث عائشة المتقدم من التعميم . ثم ذكر الأحاديث بمعناه ثم قال : فهذه الأحاديث قاضية بعدم الفرق بين المطبوع من الصور و المستقل لإن اسم الصورة صادق علي الكل - إذ هي كما في كتب اللغة - الشكل- و هو يقال لما كان منها مطبوعاً علي الثياب شكلاً- ١هـ

و بما ذكرنا من الأحاديث و كلام أهل العلم عليها تبطل دعوى المؤلف أنه ليس هناك نص صحيح سليم من المعارضة يدل على حرمة الصور المنقوشة في الثياب و البسط و الجدران و المرسومة في اللوحات . و كذا تبطل دعواه إباحة التصوير الفوتوغرافي - إذ التصوير الفوتوغرافي أبلغ في المضاهاة من الصور المنقوشة و المرسومة فهي أولى بالتحريم. 
 قال الشيخ مصطفى الحمامي في كتاب النهضة الإصلاحية( ٢٦٤-٢٦٥) ما نصه: ينفي عنه حرج التصوير - إلى أن قال : و لو شئت لقلت إن عذاب المصور بتلك الآلة سيكون أضعاف أضعاف ما يصور المصور بيده . هـ
بل الذي تصوره آلة التصوير في لحظة يمكث المصور بيده سنين في تصويره و العذاب على قدر الإنتاج في التصوير . و ذلك أنك تفهم أن تصوير صورة واحدة معصية كبري واحدة فإذا إنضم إليها تصوير صورة ثانية معصية ثانية و هكذا كلما كثرت الصور المصورة كلما كثرت آثام المصور و انت تعلم أن العذاب يكون على قدر الآثام فكلما كثرت كلما إشتد العذاب و طال و أنت تعرف أن المصورين بالآلة المصورة ينقلون عشرات الآلاف من الصور في مرة واحدة من توجيههم تلك الآلة كالذين يتعرضون لأخذ صور المجامع العظيمة كمجامع الأعياد و مجامع المشيعين لجنازات الوجهاء من الناس خصوصاً إذا كانوا ممتازين فهؤلاء و أمثالهم من المصورين لا يعلم إلا ربنا ما يستحقونه من عذاب لكثرة ما يصورونه من صور- هـ
و هو كما ترى من وضوحه في الرد على المؤلف و أمثاله ممن يبيح التصوير الفوتوغرافي. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودي في رسالة له : و من أعظم المنكرات تصوير ذات الأرواح و إتخاذها و إستعمالها و لا فرق بين المجسدة و ما في الأوراق مما أخذ بالآلة -هـ
كما أن المستفاد من مجموع الأحاديث شدة وعيد المصورين بالنار و باللعن و أنهم من أظلم الظالمين و أن التصوير حرام بجميع أنواعه و على أي وجه كان للإتيان بصيغ العموم مثل قوله عليه الصلاة و السلام  ( كل مصور في النار) و قوله : ( من صور صورة في الدنيا كلّف أن ينفخ فيها الروح) و قوله : ( إن الذين يصنعون هذه الصوريعذبون يوم القيامة ) فأتى بلفظ (كل) و ( من) و (الذين) و كلها من صيغ العموم فأين يذهب من أباح شيئا من أنواع التصوير و قسمه الى محرم و مكروه و مباح . و الله المستعان. هـ
الخطأ الثاني: استدلال المؤلف على عدم تحريم ما عدا التماثيل من الصور بالإستثناء الوارد في حديث زيد بن خالد و حديث أبي طلحة من قوله ( إلا رقماً في ثوب ) و قد أجاب النووي رمحه الله عن هذا الإستدلال في شرحه على صحيح مسلم ( ٨٥/١٤) حيث قال : هذا يحتج به من يقول بإباحة ما كان رقماً مطلقاً و جوابنا و جواب الجمهور عنه أنه محمول على رقم على صورة الشجر و غيره مما ليس بحيوان و قد قدمنا أن هذا جائز عندنا -هـ
و قال الحافظ ابن حجر : و يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي كما يدل له حديث أبي هُريرة الذي أخرجه أصحاب السنن-ه
و قال الشيخ عبد العزيز بن باز في الجواب المفيد في حكم التصوير : و أما قوله في حديث ابن طلحة و سهل بن حنيف : ( إلا رقماً في ثوب ) فهو إستثناء من الصور المانعة من دخول الملائكة لا من التصوير و ذلك واضح من سياق الحديث و المراد بذلك إذا كان الرقم في ثوب و نحوه يبسط و يمتهن و مثله الوسادة و حديث أبي هُريرة و قول جِبْرِيل للنبي صلى الله عليه و سلم ( فمر برأسالتمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة و مر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطئان) ففعل ذالك النبي صلى الله عليه و سلم  و لا يجوز حمل الإستثناء على الصورة في الثوب المعلق أو المنصوب على باب أو جدار و نحو ذلك لأن أحاديث عائشة صريحة في منع مثل هذا الستر و وجوب إزالته أو هتكه كما تقدم ذكرها بألفاظها و حديث أبي هُريرة صريح أن مثل هذا الستر مانع من دخول الملائكة حتى يبسط و يقطع رأس التمثال الذي فيه فيكون كهيئة الشجرة و أحاديثه عليه الصلاة و السلام لا تتناقض بل يصدق بعضها بعضاً و مهما أمكن الجمع بينها بوجه مناسب ليس فيه تعسف وجب و قدم على مسلكي الترجيح و النسج كما هو مقرر في علم الأصول و مصطلح الحديث و قد أمكن الجمع بينها هنا بما ذكرنا فلله الحمد - هـ

الخطأ الثالث : قول المؤلف عن الصور الفوتوغرافية أنها لا تتحقق فيها علة المضاهاة التي نصت عليها بعض الأحاديث - و هذا لا شك قول باطل و مغالطة واضحة فإن المضاهاة في هذه الصور الفوتوغرافية حاصلة اكثر من حصولها في غيرها من الصور غير الفوتوغرافية ، و هي تؤخذ غالباً لتطبيقها على الشخص المصور لئلا يحصل اشتباه بينه و بين غيره لان شبهه و شكله منعكس فيها و هذا هو معنى المضاهاة - و الصورة في اللغة هي الشكل - كما تقدم في كلام الشوكاني - فصارت المضاهاة حاصلة فيها لا محالة. هـ
و نحن نسأل المؤلف ما الذي يخرج الصور الفوتوغرافية من عموم النصوص المانعة من الصور ما دام أنها  تسمى صوراً لا محالة و يسمى الذي يعملها مصوراً؟

االخطأ الرابع: استدلال المؤلف على عدم تحريم ما عدا التماثيل بحديث عائشة قالت: " كان لنا ستر فيها تمثال طائر و كان الداخل إذا دخل استقبله". هـ
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم( حولي هذا فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا) قال المؤلف : فلم يأمرها بقطعه و إنما أمرها بتحويله من مكانه في مواجهة الداخل إلى البيت- إلى أن قال و بهذا يتبين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقر في بيته وجود الستر فيه تمثال و وجود قرام  فيه تصاوير . هـ
و يُجاب عن هذا الاستدلال بما قاله النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (٨٧/١٤) من أنه محمول على أنه كان قبل تحريم اتخاذ ما فيه صورة فلهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل و يراه و لا ينكره قبل هذه المرة الأخيرة. هـ
و يؤيد ما ذكره الإمام النووي أن مسلماً أورد في صدر الباب حديث عائشة الذي فيه تحريم الصورة مطلقاً و ساق ما بعده لبشر إلى أن العمل على الإول و هذه طريقة مسلم في صحيحه أنه يقدم في الباب ما عليه العمل و يذكر علة أو لحقه الترك. هـ

الخطأ الخامس : في هذا الموضوع زعم المؤلف أن تشديد الرسول صلى الله عليه و سلم في شأن الصور كان في أول الأمر لقرب عهدهم بالشرك فلما استقرت عقيدة التوحيد رخص في الصور التي لا جسم لها . هـ 
و نحن نطالب فضيلة الشيخ المؤلف أن يأتي بدليل على هذا الزعم الذي زعمه . و من أين له الدليل و الأدلة متضافرة على رده و إبطاله حيث تدل على تحريم التصوير و تحريم الصور مطلقاً في جميع الأوقات و في جميع أنواع التصوير . قال ابن دقيق العيد في شرح العمدة (٢٥٦/٣) بحاشية الصنعاني مجيباً عن هذا الزعم : ( و لقد أبعد غاية البعد من قال إن ذلك محمول على الكراهة و أن التشديد كان في ذلك الزمان لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان ، و هذا الزمان  حيث انتشر الإسلام و تمهدان قواعده فلا يساويه في هذا التشديد هذا أو ما معناه و هذا القول عندنا باطل قطعاً لأنه قد ورد في الأحاديث و الإخبار عن أمر الآخرة بعذاب المصورين و أنهم يقال لهم : ( أحيوا ما خلقتم) و هذه علة مختلفة لما قاله هذا القائل و قد صرح بذالك في قوله عليه الصلاة و السلام : ( المشبهون بخلق الله ) و هذه النصوص المتظاهرة المتضافرة بمعنى خيالي يمكن أن يكون هو المراد مع اقتضاء اللفظ التعليل بغيره و هو التشبه بخلق الله . هـ 
قال المحشي الأمير الصنعاني : " أقول لقد صدق و هل بعد اللعن و الإخبار بانه أشد الناس عذاباً من مستروح لهذا القائل و قد أصاب الشارح بقوله " أنه قول باطل" هـ

و قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام احمد (١٤٩-١٥٠/ ١٢) مجيباً عن ذلك أيضاً : و في عصرنا هذا كنّا نسمع عن أناس كبار ينسبون إلى العلم ممن لم ندرك أن نسمع منهم أنهم يذهبون إلى جواز التصوير كله بما فيه التماثيل الملعونة - إلى أن قال : و كان من حجة أولائك أن تأولوا النصوص بربطها بعلة لم يذكرها الشارع و لم يجعلها مناط التحريم هي - فيما بلغنا- أن التحريم إنما كان اول الأمر لقرب عهد الناس بالوثنية أما الآن و قد مضى على ذلك دهر طويل . فقد ذهبت علة التحريم و لا يخشى على الناس أن يعودوا لعبادة الأوثان. و نسي هؤلاء ما هو بين أيديهم من مظاهر الوثنية الحقبة بالتقرب إلى القبور و اللجوء إليها عند الكروب و الشدائد و أن الوثنية عادت إلى التغلغل في القلوب دون أن يشعر أصحابها.  بل نسوا نصوص الأحاديث الصريحة في التحريم و علة التحريم و كنّا نعجب لهم من هذا التفكير العقيم و الإجتهاد الملتوي و كنّا نظنهم أنهم  اخترعوا معني لم يسبقوا إليه و إن كان باطلاً ظاهر البطلان حتى كشفنا بعد ذلك أنهم كانوا في باطلهم مقلدين و في إجتهادهم و استنباطهم سارقين فرأينا الإمام الحافظ الحجة ابن دقيق العيد المتوفى سنة ٧٠٢ه يحكي مثل قولهم و يرده أبلغ رد و بأقوى حجة - ثم ساق كلام ابن دقيق الذي نقلناه قريباً .هـ 
ثم قال : هذا ما قاله ابن دقيق العيد منذ أكثر من ٦٧٠ سنة يرد على قوم تلاعبوا بهذه النصوص في عصره ثم يأتي هؤلاء المفتون المضللون و أتباعهم المقلدون الجاهلون يعيدونها جذبة و يلعبون بنصوص الأحاديث كما لعب أولائك من قبل .هـ

فتبين مما تقدم أن التصوير بجميع أنواعه تماثيل أو غير تماثيل منقوشاً باليد أو فوتوغرافياً مأخوذاً بالآلة كله حرام و أن كل من حاول إباحة شيئ منه فمحاولته باطلة و حجته داحضة - و الله المستعان .هـ